اسباب الغضب وعلاجه..، وشرح حديث الرسول لا تغضب..
عن أبو هريرة
رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوْصِنِي، قالَ:
(لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ).
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب
الحذر من الغضب.
المحتويات
التعريف براوي الحديث
أبو هريرة هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن
صخر الدوسي أسلم رضي الله عنه في العام السابع للهجرة، وكان اسمه قبل الاسلام في
الجاهلية عبد شمس فلما أسلم سماه عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن.
كان ملازما للرسول عليه الصلاة والسلام فحفظ
الكثير من الأحاديث عنه، ولقد دعا النبي له بكثرة الحفظ؛ فكان من أحفظ الصحابة
وأكثرهم رواية لحديث رسول الله.
عرف بزهده وتواضعه وصبره على طلب العلم، ولاه
الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على البحرين، ولقد توفاه الله تعالى في مدينة
رسوله الله سنة 57هـ.
شرح الحديث
تنوعت وصاياه صلى الله عليه وسلم بما يناسب
أحوال أصحابه رضوان الله عليهم، وبما فيه نفعهم في الحياة الدنيا والآخرة، وفي هذا
دلالة على حكمته عليه أفضل الصلاة والتسليم، فنراه يقدر الأمور ويرشد كلٌ بما
يناسبه وينفعه بكلمات قصار جامعات، فقد أوصى السائل بأن لا يغضب.
والغضب هو: حالة من الانفعال والتي تخرج
الإنسان عن سجيته إذا ما مر بها، وتدفعه إلى الخروج عن حدود المنطق والصواب، وإلى
الكراهية.
فعن أبو سعيد الخدري
أنه صلى الله عليه
وسلم قال: (..ألا
وإنَّ الغضبَ جمرةٌ في قلبِ ابنِ آدمَ، أما رأيتُمْ إلى حُمرةِ عَينيهِ وانتِفاخِ أوداجِهِ..) أخرجه الترمذي، وهو حديث حسن.
لقد نهى عليه الصلاة والسلام عن الغضب؛ لأن في
الغضب جمعٌ للشر كله وفي اجتنابه جمعٌ للخير كله، وهو نزعة من نزعات الشيطان
الرجيم، ولهذا على الإنسان أن يتحكم بنفسه ويستعين بالله وأن لا ينقاد خلف أهواء
الغضب فيصبح أسيرًا للكراهية والعدوان فاقدًا السيطرة على نفسه، فعن أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليسَ
الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ). أخرجه البخاري.
ويقصد بـ (ليسَ
الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ) أي الرجل القوي الحقيقي ليس بمن يغلب الرجال ويصرعهم بقوته،
ويقصد بـ (إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ
عِنْدَ الغَضَبِ) أي الرجل القوي الحقيقي هو الكاظم لغيظه، المتحلم الذي لا ينقاد خلف
غضبه.
وقد شدد عليه أفضل الصلاة والتسليم في الحديث
الشريف بتكرار النهي عن الغضب والتحذير منه مرارًا؛ لما قد يصدر من الإنسان مما
يؤاخذ عليه من انفعال وتهور في أثناء غضبه فيلام على أفعاله؛ لما تحمل آثارها من
أعقاب خطرة عليه وعلى بيئته المحيطة وعلى المجتمع بأسره، من مشاكل وخلافات بين
الأفراد والأسر.
لهذا قد مدح الله عز وجل المؤمنين فقال: {الَّذِينَ
يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ
عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤].
ومن الأمثلة على كظم الغيظ واقتداء الصحابة
بأوامر الله تعالى ورسوله قول إبن عباس رضي الله عنه: (قَدِمَ
عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ علَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيْسٍ،
وكانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وكانَ القُرَّاءُ أصْحَابَ مَجَالِسِ
عُمَرَ ومُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أوْ شُبَّانًا، فَقالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ
أخِيهِ: يا ابْنَ أخِي، هلْ لكَ وجْهٌ عِنْدَ هذا الأمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لي عليه،
قالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لكَ عليه، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ
فأذِنَ له عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عليه قالَ: هِيْ يا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ
ما تُعْطِينَا الجَزْلَ ولَا تَحْكُمُ بيْنَنَا بالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حتَّى هَمَّ
أنْ يُوقِعَ به، فَقالَ له الحُرُّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى
قالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ
عَنِ الجَاهِلِينَ}، وإنَّ هذا مِنَ الجَاهِلِينَ، واللَّهِ ما جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ
تَلَاهَا عليه، وكانَ وقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ) أخرجه البخاري.
أسباب الغضب
لكل حالة من الغضب أسباب خاصة ومختلفة عن
غيرها، ولكن هناك أسباب عدة تعد مدعاة وأسباب رئيسية على النحو العام للغضب منها
ما يلي:
1- الإعجاب والفخر بالنفس والتكبر وإهانة
الغير والاستهزاء بهم.
فمن
يعتقد هذه الاعتقادات، أو يتصرف هذه التصرفات في الواقع هو يغمس نفسه بالكراهية
والحقد، ويبعد عن فؤاده الطمأنينة والراحة.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من تكبَّرَ وضعَه اللهُ ومن تواضعَ رفعَه اللهُ). حدثه
العراقي وخلاصة حكمه: إسناده صحيح ولابن ماجه بنحوه من حديث أبي سعيد
بسند حسن.
وعن عبدالله بن
عباس رضي الله عنه: (ما من آدميٍّ إلَّا في رأسِه حكمةٌ بيدِ ملَكٍ، فإذا تواضع قيل للملَكِ: ارفَعْ حِكمتَه وإذا تكبَّر قيل للملَكِ ضَعْ حِكمتَه). حدثه المنذري وخلاصة حكمه: إسناده حسن.
2- كثرة المزاح بالأقوال أو الأفعال بعبث
وكثرة وبدون فائدة.
فكما يقال: (يبدأ بحلاوة وينتهي بعداوة) ومن
الأمثلة على هذا النوع من المزاح العابث، إخفاء حاجات الغير من ممتلكاتهم، وقد نهى
صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر فعن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأخذُ أحدُكمْ متاعَ أخيهِ
لا لاعِبًا ولا جادًّا ومَنْ أخذَ عصا أخيهِ فليردَّها). حدثه الألباني و خلاصة حكمه: حسن.
3- بذاءة اللسان وقباحة الألفاظ، بالسب
والشتم ما يؤدي إلى خلق عداوة أوضغينة وغضب بين المتاسبين، بل وربما تصل إلى القتل
فعن وائل بن حجر رضي الله عنه: (إنِّي لَقَاعِدٌ مع النبيِّ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بنِسْعَةٍ، فَقالَ: يا
رَسولَ اللهِ، هذا قَتَلَ أَخِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ:
أَقَتَلْتَهُ؟ فَقالَ: إنَّه لو لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عليه البَيِّنَةَ، قالَ:
نَعَمْ قَتَلْتَهُ، قالَ: كيفَ قَتَلْتَهُ؟ قالَ: كُنْتُ أَنَا وَهو نَخْتَبِطُ مِن
شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فأغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بالفَأْسِ علَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ....) أخرجه مسلم في صحيحه.
4- التعصب في الآراء والمواقف، والمكابرة على
الباطل بغير حق ولا علم، وادعاء العلم والحق رغم الجهل، وفي ترك هذه االصفات
العدائية المشعلة للبغضاء أمر عظيم فعن أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (أنا زعيمٌ ببيتٍ في رَبَضِ
الجنَّةِ لمن ترك المِراءَ وإن كان مُحقًّا وأنا زعيمٌ ببيتٍ في وسطِ الجنَّةِ لمن
ترك الكذبَ وإن كان مازحًا وأنا زعيمٌ ببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمن حسُن خلُقُه) احدثه ابن باز وخلاصة حكمه:
إسناده حسن.
علاج الغضب
علاج الغضب على وجه العموم يأتي مع تعلم ضبط
النفس والممارسة والرغبة الحقيقة في التغيير، ولكن سوف أقدم لك عدة طرق علاجية لحظية
لضبط الغضب والسيطرة على النفس في ما يلي:
1- مقاومة النفس ومعاندتها وعدم مطاوعة الغضب
والانقياد لأهوائه، ولهذا الكظم للغيظ أجرًا وأثرًا عظيم فقد ورد عن معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن كظَمَ غيظًا، وهو يستطيعُ
أنْ يُنْفِذَه؛ دعاه اللهُ يومَ القيامةِ على رؤوسِ الخلائقِ، حتَّى يُخَيِّرَه في
أيِّ الحُورِ شاءَ). حدثه الترمذي وخلاصة حكمه: حسن غريب.
2- الإستعاذة بالله عز وجل من الشيطان الرجيم
فعن سليمان بن صرد قال: اسْتَبَّ رَجُلَانِ
عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَغَضِبَ أحَدُهُمَا، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ
حتَّى انْتَفَخَ وجْهُهُ وتَغَيَّرَ (فَقالَ
النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لو قالَهَا لَذَهَبَ
عنْه الذي يَجِدُ فَانْطَلَقَ إلَيْهِ الرَّجُلُ فأخْبَرَهُ بقَوْلِ النبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وقالَ: تَعَوَّذْ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَقالَ: أتُرَى بي
بَأْسٌ، أمَجْنُونٌ أنَا، اذْهَبْ). أخرجه البخاري.
3- تغيير حاله، فكما قال صلى الله عليه وسلم:
(إذا غضب
أحدُكم وهو قائمٌ فلْيَجْلِسْ ، فإن ذهب عنه الغضبُ وإلا فليضطجِعْ) أخرجه أبو داود وصححه.
4- الوضوء لأن دافع الغضب هو نزغة الشيطان،
وأيضًا الوضوء يخفف من التوتر وفوران الدم في الجسد والحالة العصبية الناشئة الغضب
والإنفعال.
5- ممارسة الرياضة على نحو عام؛ فهي تساعد
على تفريغ الطاقة من الجسد وتنشط الدورة الدموية، وتحسن الحالة المزاجية العامة
لممارسها لتأثيرها على الهرمونات في الجسد.
المصادر
1) كتاب الحديث النبوي
الشريف وعلومه (المقرر الدراسي للصف الحادي عشر الدراسي للعلوم الشرعية بالمملكة الاردنية
الهاشمية).
2) كتاب الحديث النبوي
الشريف والسيرة النبوية (المقرر الدراسي للصف الثاني عشر الدراسي للعلوم الشرعية بالمملكة
الاردنية الهاشمية).
هذا والله أعلم.
0 تعليقات